29‏/05‏/2008

تطور المقاربة الأمنية وتخلف التغطية الإعلامية

التلفزيون العمومي يتعامل مع المغاربة كشعب قاصر خلال الأحداث الكبرى

مرت خمسة سنوات على انفجارات مدينة الدار البيضاء، عندما ضربت يد الإرهاب الأعمى، ووضعت حدا لما كان يعرف بالخصوصية المغربية، خصوصية جعلت المغرب، وإلى غاية 16 ماي 2003، بعيدا عن مد الأعمال الإرهابية.
استفاق المغاربة على صدمة كبيرة واكتشفوا فجأة أن من بين هذا الشعب المسالم كائنات تختار الموت والقتل والتقتيل من أجل فرض تصورها للحياة.. ليس الحياة بل الموت على وجه الخصوص. كان لزاما على المخزن أن يرد، فقد كانت الصفعة مؤلمة فضرب بيد من حديد، وانطلقت آلة الاعتقالات لتحصد الأخضر واليابس، فاعتقل قرابة 3000 متهم لم يكونوا قطعا جميعهم إرهابيين.
انطلقت التحليلات والقراءات واتفق الجميع على أن الفقر والحرمان والحاجة مشتل الإرهاب الذي يجعل من الإنسان العادي وعاء فارغا قابلا لاحتواء كل الخزعبلات والترهات.
مع قضية المهندس الذي حاول تفجير حافلة للسياح بمدينة مكناس انقلبت الموازين، وسقطت جميع تعليقات "الخبراء الاستراتيجيين" و"المتخصصين في الإرهاب" وذهبت أدراج الرياح. لم يعد الإرهابيون جهلة متحدرين من أحياء البؤس والهامش، بل أصبح إرهاب "الياقات البيضاء".
أما في القضية الأخيرة، ومع ما أصبح يعرف بخلية بلعيرج فقد شهدت على الخصوص تطورا مهما في المقاربة الأمنية، إذ لم تكن الاعتقالات عشوائية ولم تشمل مئات المواطنين رغم أن الخلية واسعة امتدت بين بلجيكا والمغرب وتخطيطاتها امتدت لسنوات، وهذه أيضا تعد من بين النقط الجديدة إذ لم تعد ضربات الإرهاب تتميز بالعشوائية والرعونة والآنية بل أصبحت منظمة ومهيكلة وممتدة في الزمن.
إننا أمام حرب ضروس لن تنتهي غدا أو بعد غد، فالإرهاب ليس منتوجا محليا أو ظاهرة مغربية بل هو آفة يجب تجنيد جميع الوسائل من أجل محاربتها والقضاء على منابعها. والمقاربة الإعلامية تعتبر جوهرية في هذا الإطار، وكان المنتظر من التلفزيون العمومي القيام بدوره في الإخبار والتوعية وإظهار الوجه الحقيقي للإرهاب والإرهابيين القتلة، لكن ولسوء الحظ لم يبرح التلفزيون مكانه وبقي متحجرا ينتمي إلى حقبة ولت، فريح التغيير التي هبت في مؤسسات أخرى لم تقدها التغيرات المناخية إلى دار التلفزيون. وفي الوقت الذي كان فيه دم المغاربة يسيل بفعل أعمال النزق والرعونة والخفة كان التلفزيون المغربي يدير ظهره، ويخرج لسانه للملايين المكلومة.
ويطل الجواب الرسمي أكثر سخفا، "لا نريد نقل أخبار القتل والإرهاب لأننا نريد تجنيب المغاربة مشاهدة الأحداث الماساوية"! المغاربة ليسوا كائنات غير ناضجة، أو شعبا لم يتجاوز سن الفطام.
إن الفراغ هو ما يخلق البلبلة، ويفسح المجال للأخبار المغلوطة، والقيل والقال، والتأويلات المشبوهة، والقراءات المغرضة، ويجعل من شخص اسمه "أسامة بن لادن" يحظى بالدعم المعنوي لملايين العرب والمسلمين "الغلابة"، وخلية إرهابية تصبح "تنظيم القاعدة" لها رجلها الأول والثاني.
إن بؤس التغطية الإعلامية والتلفزيونية على وجه الخصوص هو ما يرمي بالمغاربة إلى مستنقع البلادة وحضيض التخلف ويدفع إلى السقوط في "جزيرة ما يسمى الإرهاب" على رأي "الإخوان في قطر".
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق