18‏/07‏/2008

حملة عمياء لشيطنة المهرجانات


تستهدف الفن والثقافة والإقبال على الحياة تقودها شرذمة على حساب الوطن وجراحه

قبل أيام نشرت مجموعة من المنابر الإعلامية خبرا لم ينتبه إليه الكثيرون، ومر مرور الكرام دون أن يلتفت إليه أحد أو يعيره الأهمية التي يستحق. الخبر جاء فيه أن مصالح الأمن في المغرب شددت الإجراءات الأمنية حول المناسبات الفنية والثقافية، أي المهرجانات واللقاءات التي تنظم في مناطق مختلفة من المغرب لأن تقارير أمنية أكدت استهداف قوى الرجعية والظلام لها وغدت بالتالي أحد أهداف فلول الإرهاب الأعمى.
انتهى الخبر، ولم تنته الحملات المسعورة لقوى الظلام رغم وصولها إلى الهدف المنشود بعد سنوات من التهييج وصب الزيت على النار. كلما نظم حدث فني غنائي أو سينمائي أو أيا كان نوعه إلا وأطلقت العنان للسانها الذي يقطر حقدا، وأرسلت جيشا عرمرما من المراسلين أقرب إلى المخبرين منه إلى شيء آخر، يتصيدون الأخطاء ويبحثون عن "مظاهر الفجور والانحلال الخلقي"، ويصورون هذه اللقاءات الفنية على أنها مرتع لكل الشرور، "ترقص فيها الفاسقات في مواخير مفتوحة على الهواء"، ويتجمع فيها السكارى والمنحلون وتجار الجنس وممتهنو القوادة".
إن البعض يسير في هذا الاتجاه عن قصد وبنية مبيتة في الوقت الذي يهيم في هذا الباب آخرون عن جهالة ويلعبون بالنار دون حسبان للعواقب التي أثبت التاريخ أنها دائما وخيمة، ولنا في الأحداث الأليمة التي شهدتها أماكن مختلفة من الدار البيضاء أبلغ درس، يوم سال الدم المغربي بعملية طائشة لمغربي آخر غرر به وعبأته الأبواق إياها بالحقد والكراهية والنقمة على الآخر.
أكثر من هذا تتم دغدغة المشاعر والضرب على الوتر الحساس بترويج أطروحات واهية تدخل في باب سفسطة المقاهي وفلسفة الفاشلين أكثر منه للكلام الرصين والمتزن، إذ يقال إن هذه المهرجانات "تبذير لمال الشعب السايب" وكأن هذا الشعب ليس له الحق في قليل من الفرحة والمتعة والانفتاح على الحياة، أم أن الهدف هو إقبار 30 مليون مغربي حيا في انتظار أن تحل مشاكل المعمور من الشيشان إلى "الميريكان" مرورا بأفغانستان. صحيح أن أمامنا شوطا طويلا من الإصلاحات في الصحة والتعليم وغيرها، إلا أن الثقافة ليست أمرا هامشيا أو "خضرة فوق طعام" لأن الشعب الذي لا ثقافة له لا هوية له ولا مستقبل له ومحكوم عليه بالفناء والاندثار. والمهرجانات الكبرى تسهر عليها في غالب الأحيان شركات خاصة في إطار حملاتها الإشهارية التي تخصص لها ميزانيات كبرى وتشغل المئات من الأطر واليد العاملة وتخلق رواجا اقتصاديا وفنيا وثقافيا. فهل انتظرت فرنسا حل مشاكل المهاجرين وغلاء الأسعار وانخفاض سعر البترول لتنظم المئات من المهرجانات سنويا؟ أو أن أمريكا قضت على مشكل الفقر ووجود رئيس "نص كم" في البيت الأبيض أو حلت أزمة الرهون العقارية التي تعصف بالبورصات العالمية قبل تنظيم أكبر المهرجانات وأقوى الحفلات على المستوى العالمي؟
صحيح أن الأمثلة غير دقيقة في عرف مفكري العصر الحجري "فذلك الشيطان الأكبر أمريكا، وتلك ابنته الصغرى فرنسا ولا شأن لنا بهما معا". إلا أنه لا بد من الاعتراف بوجود حملة ممنهجة لشيطنة كل ما يقترب من باب الفن والثقافة والإقبال على الحياة عموما، حملة تقودها شرذمة من نافذة المصلحة الشخصية الضيقة أو من باب المصلحة السياسوية الواسعة على حساب الوطن وجراح الوطن، التي لا يجني منها غير الدم والموت والألم للأبرياء.
لكن من ينظر إلى مهرجان "كازا موسيقى" باعتباره آخر حدث فني تشهده مدينة الدار البيضاء التي شهدت الأحداث الأليمة يرى أناسا بسطاء يبحثون عن أوقات من السعادة والفرحة يسرقونها من عمر الزمن، مواطنون يخرجون مع أفراد عائلاتهم في إطار حميمي لا علاقة له بلغة الحقد والتحديد غير المباشر لتسديد الضربات العمياء.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق