18‏/01‏/2008

وارزازات مدينة تستيقظ وتنام بالسينما وتحلم بالزيارات الملكية


أرض للعجائب صنعت طبيعتها مجد أناس وأفلام عالمية راكمت الثروات لكنها قست على آخرين وصنعت تعاستهم وجعلتهم خارج التاريخ

عندما اقتربنا من مدخل مدينة وارزازات ورؤوسنا مثقلة بدوخة المنعرجات الجبلية، سألنا سائق التاكسي في تحد "ماذا تعني وارززات؟" لم يتمكن أي من الركاب من الإجابة واستسلمنا بعد أن أضنانا التفكير والساعات الطويلة من السفر. فقال في زهو "تعني "بدون ضوضاء"، مدينة للهدوء والسكينة.
إلا أنه مع الساعات الأولى التي قضيناها بالمدينة اكتشفنا أنها ليست هادئة بالشكل الذي تصورنا، ويسري في شعابها نقاش مستتر وأخبار مضمرة.
منذ الوهلة الأولى تعرف أن المدينة تتنفس السينما، يلقاك في المدخل شاهد كبير على أن هذه المدينة قلب السينما النابض في المغرب، كرة كبيرة يعلوها شريط. السكون يذكر بأفلام الخيال المقتبسة عن روايات ستيفان كينغ: مدينة مهجورة، أزقتها وشوارعها الفارغة تثير السؤال والدهشة، هناك شيء ما يختبئ وراء الأسوار العالية والأبواب الموصدة.
كل شيء هنا فيه رائحة الفن السابع، متحف خاص بالسينما، محلات بعناوين الأفلام وأسماء المخرجين والشخوص السينمائية المعروفة أيضا. في مطعم "أوبيليكس" الذي اقتبس عن شخصية الفيلم الشهير "استيريكس" الذي صور في احد استوديوهات المدينة، وشارك فيه كل من جمال دبوز والنجم الفرنسي ألان شابا والفاتنة الايطالية مونيكا بيلوشي. ترافقك صور المشاهير ولقطات بلاتوهات التصوير حتى المرحاض، تتابعك نظرات النجم الاسترالي "راسل كرو" شاهرا سيفه على ملصق فيلم "غلادياتور".
الكل هنا يحلم بزيارة ملكية قريبة، "المدينة تتغير بشكل كامل، تحل الكثير من المشاكل، ويزاح الغبار عن الكثير من المشاريع والملفات المتراكمة والقابعة في الرفوف"، يقول أحد السكان وعيناه شاردتان في الفراغ، ثم يضيف، "سيدنا يعرف بأن هذه المدينة ليس لها إلا السينما ولذلك ركز عليها وشجعها في زيارته الأخيرة. ليس لنا معامل ولا خيرات بحرية ولا معادن نفيسة، طبيعتنا هي رأس مالنا الوحيد".
لكن نعمة الطبيعة هذه صنعت مجد أناس، وأفلاما عالمية، وراكمت ثروات البعض، لكنها قست على آخرين وصنعت تعاستهم. على هامش المدينة الشهيرة توجد دواوير خارج التاريخ لا يعرفها أحد، يقتل البرد سكانها ويقطع عنها أي صلة بالخارج مع أولى ندف الثلج. في دوار اسمه آيت مرغاد يمكن أن تجد مستوصفا بني منذ 1992 لكن لم يدخله مريض قط لأنه لم يلتحق به طبيب البتة، وبقي المبنى واقفا يعصف به الزمن وتهده الطبيعة القاسية، ويموت أطفال القرية ونساؤها في الطريق إلى بومالن دادس أو وارززات، وتحكى عن المستوصف المهجور الحكايات ربما يسكنه حيوان خرافي من زمن غابر أو يستقر فيه "رجال البلاد".
في تلك القرى وحدها يمكن أن تجد امرأة بلغت من السن عتيا تحمل على ظهرها عشرات الكيلوغرامات من الحطب المتراكم على ظهرها المقوس تتسلق مرتفعا وعرا، وخلافا "لأولاد وبنات اليوم" فإن تلك العجوز لا تلهث، ولا يتسارع تنفسها أو تبكي حالها، بل تطلق صوتها الجبلي في غناء أطلسي جميل!
في مكان آخر تجد بائعا للسمك على علو 3000 متر عن سطح البحر، سي لحبيب يأتي كل يوم خميس بالسمك من مدن بعيدة لأهل المنطقة المجاورة للطريق الرئيسية.
هكذا هي وارززات، بلاتوه كبير للتصوير بديكورات خلابة وشخصيات غريبة وكوميدية وأخرى تعيسة، وأحداث غريبة فيها الخرافة والخيال والواقع المرير، تمزقها الخلافات والصراعات، وتجمعها قصص الحب الجميلة التي تمتد إلى الأبد مثلها مثل توابل أي فيلم هوليودي محترم.
جمال الخنوسي

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف11:59 ص

    رائع شكرا اخي على التعلق

    ردحذف