18‏/01‏/2008

زمن المزايدات

الضغط يعلو، والصدور تضيق في هولندا، بعد إعلان زعيم حزب متطرف ينعت نفسه باسم "الحرية" تحضير فيلم "يكشف فيه الوجه الحقيقي للإسلام".
"غيرا والديرز" أعد فيلما وثائقيا لا يتعدى اثنتي عشرة دقيقة يتحدث فيه عن القرآن الكريم، بعد أن طالب في وقت سابق منعه دخول الأراضي الهولندية، واصفا إياه بنعوت أقل ما يمكن عنها أنها سلبية.
وكأي شعبوي محترم فإن زعيم "نص كم" قال على صفحات الجرائد الأوربية إنه لا ينوي الإساءة إلى أحد أو زرع الفتنة أو إشعال فتيل العنف، بل هدفه الوحيد والأسمى هو "كشف الوجه القبيح للإسلام كديانة تدعو إلى العنف والقتل والفاشية".
لا يمكن لأي إنسان أن يقبل مثل هذا الاستفزاز البربري، وقلة الاحترام لمقدسات الآخر، ومعتقدات مواطنين هولنديين أو غير هولنديين، فقط لأنها مختلفة. إنها مظهر آخر من مظاهر الشعبوية في أقبح صورها، وعلامة من علامات هذا اللون من الانغلاق ورفض الاختلاف والتعايش كخطر داهم يعصف بالأخضر واليابس.
لا أحد اطلع على محتوى الفيلم أو عرف مضامينه الحقيقية إلا أن الإعلان عن وجود نية الإساءة أعاد إلى الأذهان ما وقع في وقت سابق مع الرسوم الكاريكاتورية البغيضة المسيئة إلى الرسول الكريم.
هولندا بأكملها تضع يدها على قلبها في انتظار زوبعة الزعيم الأرعن. الحكومة الهولندية اتصلت بجميع سفاراتها لتعلن جهارا أن موقف "الحزب من أجل الحرية" لا يعبر عن الموقف الرسمي للبلاد. وحتى رجال الأعمال، وأرباب الشركات عبروا عن تخوفهم من أي رد فعل اقتصادي من جانب الدول الإسلامية، سيكون أعنفها مقاطعة للمنتجات الهولندية، الأمر الذي سيؤثر على مصالحهم بشكل كبير.
زعيم الحزب حدد في وقت سابق تاريخ 25 يناير المقبل كموعد لبث الفيلم على المحطة التلفزيونية "نوفا"، إلا أن القناة عبرت عن رفضها القيام بدور "جهاز للبروباغندا"، فقرر الزعيم المتطرف بثه في قناة عمومية ضمن المدة الزمنية من البث التي يكفلها القانون للحزب أو على شبكة الانترنيت في موقع "يو تيوب" مثلا.
المواطنون البسطاء على الضفتين هم من يدفعون ضريبة احتقان غير مبرر وأعمال همجية متبادلة. استفزاز وانتقام، ثم رد فعل فاستفزاز آخر فانتقام، كان آخر ضحاياه المخرج المتطرف تيو فن غوخ حفيد الرسام الشهير على يد مغربي متعصب يدعى محمد بويري.
إنه زمن المزايدات بلا منازع. تستغل فيه أفلام للكراهية والتطرف والشعبوية في رفع صوت التطرف من الجانبين من أجل إخراس صوت الاعتدال والتعايش الذي يجب أن يعلو ولا يعلى عليه.
جمال الخنوسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق